سأضحك وأنا كبيرة

كم يرث ابن أخ لِأم من رجُل مات وله ابنـ..

أنطلق إلى السرير ما دام النوم المهرب المؤقت الوحيد من هذا كله. لم أعُد أُطيق هذا الدرس، لا أفهمه ولا أريد أن أفعل.
أفكر قليلاً قبل أن أغفو، والدايّ في العمل، مفتاح غرفتهما في أحد أدراجي، وأعرف جيداً أين خبّأ أبي هاتفي.. لِما لا أُسلّي نفسي به قليلاً ريثما أغفو؟ -هذا إن غفوتُ وهو معي-
أنهض لأتناول المفتاح ثم.. يشتذّني ضميري من تلابيبي بشدّة. لا!! حرام! "بابا .."
أعود لأستلقي، على الأقل النوم مهرب لا يورّث إثماً كما سرقة الهاتف من خزانة أبي.

بعد أقل من ساعة، أستيقظ مذعورة، ما الأمر! أتنهّد مُغمضةً عينيّ حين أجِد الجدار المقابل لسريري وأستوعبُ أنه مجرد كابوس. كل ما في الأمر أني ضيعت دقائق القيلولة في حُلم امتحان، ليته امتحان عادي، لم يكُن يحوي شيئاً غير الدرس الذي قررت أن (أسفهه)* ، كانت الأسئلة تتزاحم أمامي ولا تنتهي ولا أجيد حتى تأليف إجابة تفي بالغرض كما أفعل عادةً.
حسناً، واضح أن عقلي يحذّرني من (سفهِ) الدروس على هواي.

ألتفِتُ إلى الشرفة لأجد نبتَتيّ الحُلوَتَين، أتذكر أن ساق النبتة ذات الزهور الوردية كانت أقصر، والبرتقالية كانت تُزهر بشكل طرفي، ها هي تبدو محورية اليوم وزهرُها أقرب لِلون يقع بين الزهريّ والبرتقالي، مشمشيّ ربّما؟ لا أعرف، ما أعرفه أن تلقيحاً خلطياً حدث هُنا!
أشكر "مندل" وكتاب الأحياء بقلبي وأهمّ بالجلوس على المكتب.

أشياء غريبة.. "متى درسنا هذا؟" أتساءل. أُجيب بعد صفعِ جبهتي: آآه لم أحضر حصّة هذا الدرس، كنت أتسكّع في ممرات المدرسة مع الأصدقاء (الذين أجزم أنّهم في نفس وضعي حالياً).
وهُنا.. جيد درسٌ كنت متواجدة يوم شرحِه، لكن لحظة! كنت أغطّ في نومٍ عميق!
ماذا أفعل بنفسي؟ لو أنني أستطيع أن (أتفّل* في وجهي).

عموماً، إنّه دور الأحياء أخيراً. على الأقل أعتكف ساعات أمام شيء يُثير اهتمامي.
أقلّب الصفحات ويتقلب شريط حصص الأحياء أمامي،
والأستاذة تقول بعد شرح كل نقطة "صح شيه* بنااات!" ونردُّ جميعنا "صصحححح".
ياه، كأني أسمع صوتها وأصواتنا الآن.
أذكر أنها قالت كَذا هُنا، وهُنا قالت "ماشاءالله عليش يا إيمان مُنتُبهة"
بالضغط على مدّ ياء "عليش" وضمّ ميم وتاء "منتبهة" كما هي لهجتها اللذيذة، يوم أخطأتْ في شفرةٍ وراثية وصححت لها إيمان.
وهُنا سألتُ أنا سؤالاً وقالت فور طرحي إيّاه "جميل!" ولا أنسى طبعاً النبرة.
هل ينساها من سمِعها؟
وهُنا نظَرَت إلى (نوف) شزراً وأمرتها أن توقف (السوالف) فأجابت نوف ببراءة "والله ما تكلمت!". المُضحك أن نوف هي المتّهم الأول لأي ضوضاء في الصف.
وهُنا دقّ جرس انتهاء الحصّة وهي لم تنهِ درسها، فعقدت حاجبيها بانزعاج وسألت وهي تعرف: "مو ذا* بنات!!" فأجبنا ونحن نضحك لأننا نعرف أنها تعرف "جررسس" .

تمرّ في بالي أستاذة الفيزياء بعد أن ختمت إثباتاً صعباً -بطبيعة الحال- بـ# ثم التفّت إلينا مسرورة ونحنُ نبلعُ ريقنا وقالت: piece of cake!.  في الحقيقة، قطعة الكعك هذا من أشنعِ ما تذوقت.

وأتذكر يوم أنهَكَ أستاذةَ الكيمياء الزكام ومرّت أمامنا مُتجّهة إلى حصتها مُسرعة، أذكر أنّي رجوتُها أن تقف لأُخرج ورقة مطويّة من جيبي وأقرأها عليها، فوقفت تسمع على استعجال..
"مرِضَ الحبيبُ فعُدتُهُ، فمرضتُ من خوفي عليه.." ضحِكت هي وضحِك المارّة، لا أدري مما تحديداً، طريقة إلقائي أو تعطيلي إياها لأجل تفاهةٍ كهذه؟ المهم أنا سعيدة لأني أضحكتهم.
أردفتُ "فأتى الحبيبُ يزورُني، فبرِئتُ من نظري إليه" ضحِكَتْ أكثر وأخذت الورقة من يدي وإتّجهت إلى حصتها.

نبرةُ صوتِ أستاذة اللغة العربية حين تُجيب إحدانا فتقول لها "رائع كروعتكِ يا فلانة!"
وحين تواسينا بعد امتحانٍ خبيث. وحين توزع علينا قُصاصات كُتبت عليها آيات حانية.
وطبعاً حين تقول كل مرّة متعجّبة "ما تشبعوا من المقصف؟" بعد أن نرجوها لتسمح لنا بالذهاب.

وأستاذة الإسلامية يوم تقول "من تتلو الآيات؟"
ترتفع أصابعنا وأصواتنا قبل أن تكمل جملتها "أناااا"
تُكمل "..يلا من ملكة التلاوة؟"
تهبط أصابعنا بصمت.
تستاء وتستفهِم عن السبب!
"أستاذة نحنا ثاني عشر ، رجاءً ما نريد سوالف صف أول" .

أضحك متذكرةً أستاذة الانجلش حين توجّه أنظارها إلى مقعَدَينا -الفارِغَين عادةً- فور أن تدخُل الصف فتسأل "هينهن غدير ونوف الشرّادات؟"* ..


....

أوه!
أين كنت؟
آه "تزوج شاب يستطيع ثنيَ لسانه من فتاة أبواها لا يستطيعان..."

________
هذهِ المرة، كتبت لأتمسّك بالذكرى. أكثر من أن أبوح أو أوصل رسالة.. ذكرى حُلوة كهذه كان يجِب أن أحنّطها. سأبتسم وأضحك وأشتاق حين أقرأُ وأنا كبيرة.

انتهى (شُرود البال) الأطول في العالم. نعود.
ونصبر ونصطبِر.

________
لِغير المتحدثين بالعُمانية:
*أسفهه: لا أُلقي لهُ بالاً ، سفه: عدم الاهتمام.
*أتفّل: أبصُق.
*صح شيه: أليس كذلك؟
*مو ذا: ما هذا؟
*هينهن: أينهنّ؟
*الشرّادات: كثيرات الهروب من الحصص (صيغة مبالغة)

تعليقات

  1. حنطي كل شيء عزيزتي واضحكي كثيرًا حين تتذكرين.
    دعي عنك شعور أنني عجوز شبّ أحفادها حين أوصيك وأتحدث عما يراود ذاكرتي عن نفسها، واسمعي واحلمي.
    قبل عام من الآن كنت أرى الحياة جحيمًا خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك، كنت أمني نفسي بالمذاكرة الأخيرة وأنني سأتقلب قريبًا بإذن الله في نعيم الجامعة. أتعلمين ماذا؟ بعد اختبار السبت -الذي لا يختبر السبت المدرسيون- وأنا أمشي في شمس عمان أحدث أحدًا وأضحك وصديقتي تقول أن درجة الحرارة ٤٥، في ذاك الوقت تحديدًا تذكرت أمنيات السنة الماضية وضحكت كثيرًا، يح مرت سنة مرت فيها كل شيء بسعادة مختلطة مع شقاء، لكنه وضع النعيم في الدنيا على أي حال!
    أخبرك شيئًا آخر، في الجامعة هذا العام بعد أن درست مادتي العلمية الأولى في الجامعة باللغة الإنجليزية -التي كنت أحسبني أعشقها وأتقن الإنجليزية-، ضحكت مليًا على ظني أنني كنت مكروفة أيام الثانوية؛ كما تضحك علي صديقاتي المتخصصات وأنا أظنني مكروفة بمادتي العلمية الأولى والوحيدة! ههههه ستضحكين كثيرًا جدًا في الجامعة على حالك الآن حين تواجهين الدرجات الأولى، حين تقولين أنك جائعة، حين تتعبين، حين يراوغك الجنون، ستضحكين مليًا على كل شيء وتتذكرين أن كل ما يجري في الثانوية هو مجرد "مقبلات" لما ستواجهين في حياتك، والمقبلات هي الأصعب لكنها الألذ حتمًا!
    غدير، اكتبي كل شيء مهما كان سخيفًا، اكتبي لتعيشي وتري الحياة بعينيك بعد أن تتسعا أكثر فأكثر، شاركيني أنا كل شيء بالتحديد؛ لي الشرف كله إن كنت صديقة كتابة.

    أكره أن أتحدث بمعطف بني فاتح وعدسة بإطار أسود على عين واحدة واتكاء على مقعد جلدي مستعرضة شعري الأبيض، أمقت أن أمثل دور الخبير في الحياة الفاهم كل شيء، لكن بإمكانك أن تعديها مجرد ثرثرات صديقة لا شيء جدي.

    غدير، أرى الأفق متسعًا مزهرًا أمامك، فلتكوني ذات الروح القوية التي مهما ملت وتعبت ناضلت وجاهدت إلى آخر رمق. أحبك مجاهدة، وأعقد حبي دعاء. توفيقًا مؤبدًا.

    ردحذف
  2. الله ! تكتبين بحبٍّ يا غدير ❤
    لقد عدتِ بي إلى الوراء لأتذكّر كيف كنت. وها أنا أضحك وأنا كبيرة. ذاكرة المدرسة تبقى مدهشة، للأبدّ.
    تيسيرًا صديقتي.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وداع ونجوم وقطّ أسود - مذكرات

عشيّـة

ضجيج .