المشاركات

عرض المشاركات من 2016

كلام غير مُكمَل

١ ظهر السبت. أجّلت الكتابة طويلًا لكن ضجّة أفكاري تخنقني، وستقتلني إن لم أقتلها أنا أو في أحسن الأحوال أطلق سراحها لتدعني وشأني. إنها الثانية عشرة ظُهرَ السبت . وددتُ لو أنه الليل لأكتب على رواء وليكون الأمرُ أكثر شاعرية. أو لو أنني أؤجّل الأمر إلى أن يحل الظلام بدل وقت ذروةِ الأشغال وضجيج الحياة الآن. لم يتحقق الإثنين ولأنني حقًا سأنفجر إن لم أفرّغ حالًا؛ أكتب.. في الأسابيع الأخيرة، حدث الكثير، كان شهرًا بعنوان: أشياء جديدة، ودهشة. كنت أظن أن المرء يستغني عن الكتابة ما دامت أموره بخير، على عكس حاجته وهو مكروب. ولم أكتب. ظننتُ أن كل شيء سيكون عاديًا. لكن هيهات. إنني لم أنَم نومةً طبيعيةً واحدة في أيامي الماضية. أرق، تقلّب، تفكير، أشياء غير مهمة تشغل عقلي الذي أكاد أتوسّل إليه ليكفّ. أشعرُ به إناءً تتزاحم الأشياء داخله، ويفيض. كل شيء يشغل تفكيري، حرفيًا، بدءًا من مكعّب (روبيك) الذي بدأ يُثير اهتمامي لتوّه، مرورًا بكلمات صديقٍ قال “لن أحادِثكِ حتى تعودي غدير التي أعرفها”، انتهاءً بنتائج قراراتي العشوائية. هل قلتُ (انتهاءً)؟ آسفة. لا يوجد انتهاء. التفكير مستمر ويصِل إلى كل

مذكّرات قديمة

لا أنسى ما حييت ذلك الموقف وذلك المكان وتلك الوجوه.. رنّ جرس انتهاء الحصة الرابعة وبدء الفسحة. قالت يومها أستاذة الرياضيات: "يلا بنات كلكم اخرجوا وتبقى المتفوقات الّي عطيتهم نشاط إثرائي أمس." "نشاط إثرائي؟ متى؟ وكيف ما عندي؟" قلتُ مرتبكة. قلتُ بأملٍ في نفسي أن الأستاذة قد نسيت اسمي سهواً، سأمرّ أمامها كأني خارجة مع الخارجين -غير المتفوقين، وهذا مؤلم- علّها تتذكر. وبعد حين خطوتُ فعلاً أمامها و(تحمحمت) عمداً، وياللأسى.. لم تُنادِ عليّ "اوه غدير! نسيت اسمك تعالي" كما تأملتُ أنها ستفعل. تحطمت. كانت تلك الجملة غير المنطوقة كهاوية أودت بنظرتي لنفسي إلى أسفل سافلين. نشاط إثرائي سخيف يحطم ثقتي بنفسي؟ نعم. كان كالقشة التي قصمت ظهر البعير. لم أكُن بعيراً يحمل الأثقال على ظهره، لكن بدون مبالغة أنا متيقنة أن ذاك اليوم كان نقطة تحولي إلى كائن (يستصغر) نفسه بما تحويه الكلمة من معاني. منذ تلك الحادثة ولِسبع سنين عِجاف، كنت أحسب نفسي مع عداد الأغبياء في هذا العالم -مع إيماني الحالي الكامل أن الله لا يخلق عقلاً معقّد التركيب بلا نوعٍ

سأضحك وأنا كبيرة

كم يرث ابن أخ لِأم من رجُل مات وله ابنـ.. أنطلق إلى السرير ما دام النوم المهرب المؤقت الوحيد من هذا كله. لم أعُد أُطيق هذا الدرس، لا أفهمه ولا أريد أن أفعل. أفكر قليلاً قبل أن أغفو، والدايّ في العمل، مفتاح غرفتهما في أحد أدراجي، وأعرف جيداً أين خبّأ أبي هاتفي.. لِما لا أُسلّي نفسي به قليلاً ريثما أغفو؟ -هذا إن غفوتُ وهو معي- أنهض لأتناول المفتاح ثم.. يشتذّني ضميري من تلابيبي بشدّة. لا!! حرام! "بابا .." أعود لأستلقي، على الأقل النوم مهرب لا يورّث إثماً كما سرقة الهاتف من خزانة أبي. بعد أقل من ساعة، أستيقظ مذعورة، ما الأمر! أتنهّد مُغمضةً عينيّ حين أجِد الجدار المقابل لسريري وأستوعبُ أنه مجرد كابوس. كل ما في الأمر أني ضيعت دقائق القيلولة في حُلم امتحان، ليته امتحان عادي، لم يكُن يحوي شيئاً غير الدرس الذي قررت أن (أسفهه)* ، كانت الأسئلة تتزاحم أمامي ولا تنتهي ولا أجيد حتى تأليف إجابة تفي بالغرض كما أفعل عادةً. حسناً، واضح أن عقلي يحذّرني من (سفهِ) الدروس على هواي. ألتفِتُ إلى الشرفة لأجد نبتَتيّ الحُلوَتَين، أتذكر أن ساق النبتة ذات الزهور الوردية كانت أقصر، والبرتقالية كانت تُزه

على شفا جُرفٍ هار

صديقي الذي لم يتوقع يوماً أني سأكتب لهُ هُنا، ها أنا أستيقظ مُرتاعاً بعد أن انتصفّ الليل بساعة وكأنّ صفعةً تلقيتها في المنام تأمرني أن أكتب، لك. فأخضعُ لها وأترك فراشي الوثير وأُغلق جهاز التكييف لأسمع خلجات نفسي بوضوح؛ دون تشويش.. مؤخراً، عشتُ وإيّاك وصديقُنا الآخر "مخاضاً فكرياً" يخصّ قضية حساسة، لا أعلم كيف ومتى ولِما وصلنا إليها، لكن يبدو أننا غرقنا فيها سوياً دون إحساسٍ منّا. كنتَ أنت أول من يتعرّض لها، للملحدين، أكثر البشر في هذه المجرّة استحقاقاً للشفقة.. كنت تؤمن بدورك مسلماً أباً عن جد أنهم مساكين، ونؤمن معك لكن بسطحية، لأن معرفتنا بالأمر كانت ضحلة إلى أن وصلنا يوماً ما إلى مرحلة المُستغيث من الغرق. قبل أن نبدأ في الاستغاثة -التي لم نشعر وقتها أنّنا نستيقظ وننام عليها- بدأ صديقنا الآخر يتعمّق أكثر فأكثر. أخبرني يوماً أنّه دخل في دوّامة كلما أراد الخروج منها بلعته أكثر، كنت أضحك ولا أفهم ما يعنيه بالضبط، ويردّد أنه لا يكاد يشبع من القراءة في الموضوع، وأغبطه لمجرد أنه يُكثر القراءة رغم عدم فهمي لِما يشعر! وكنت أنت هناك ببراءتك وضعفك تتعرض لتيارات جارفة، ولا يش

إنّهُ كان بي حفيّا..

لو أنّك تفهم ماذا يدور حولك، لو أنّك تخرج من فتحتي عينيّك (الواسعتين في نظرك ، الضيقيتين في نظر الكون) ، لو أنك تنظر إلى نفسك من الأعلى قليلاً ، بنظرةٍ أشمل.. لو تستوعب يا صديقي كم أنّه كان بك حفيّا! لا تنسى طبعاً تلك الليلة.. يومَ انعزلت بنفسك "الراغبة" التي أنت من رغّبتها، وإذا تُردّ إلى قليلٍ تقنعُ.. لكنّك رغّبتها وحدث ما حدث! دائماً ما تكون معصيتك الأكبر كشبحٍ يُطاردك ، لا يكفّ عن إغرائك بمنطق أنّه : حدث! ما الذي ستفعله؟ لا بأس حدث وانتهى. لن يزيد الأمر سوءاً على أيَة حال. (خاربة خاربة). لكن يومها .. كنتُ في البدء كأيّ عاصٍ "تقليدي" .. أعني تغلّق الأبواب اختباءً من الخلق وجُرأةً على ذاك الذي يراك حيثُ كنت ، بكل أبعادك..  القصّة ليست هنا، القصة أنك -فجأةً- سرحت عن ابليس الذي سامرك لنصف سهرة ثمّ.. ثم لِوهلةٍ فكرت ، لو أنك فُضِحت أمام كائن لا يسعُه إلا رؤيتك بعينيه -الضيقتين عادةً مثلك-؟ لكان الأمر سهلاً، لكُنت ببساطة تستّرت بكذبة .. لكن ماذا لو كنتَ شاخصاً بوضوح أمام ذاك الأكبر منك ومن ذنبك دائماً ، متعرياً من كل ادّعاءاتك وتستّرك.. مكشوفاً من كل زيف؟ أنت كذلك فعل

ألهذا اللّغو حلّ أم سيبقى أبديّا؟

"وطريقي ، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟ هل انا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟ أأنا سائرٌ في الدرب أم الدرب يسير؟ أم كلانا واقفٌ والدهر يجري؟ لستُ أدري!" ** لأنّني لا أدري.. هممتُ بسؤال عمّي سلطان سؤالاً أقرب ما يكون للغباء ، سألتُه لأني أريد أن أسأل ، لم أكن منتظرةً جواباً (مُفحماً) كما فعل. "ليش الإنسان يبغا يجيب نسبة عالية في الثانوية؟" يُقطّر غباءً أليس كذلك؟ كان من الممكن لإنسان طبيعي أن (يسفهني) أو يقول ببساطة "ذاكري" ، لكنّه لم يفعل وأظنّ أن ردة فعله مواساة ربّانية لِما أنا فيه..  أجابني حرفياً : "مع تراكم السنين النسبة العالية وضعها المجتمع كأداة مفاضلة لدخول المؤسسات التعليمية.. ولكن.." ... ما قاله بعد "لكن" جعلني أذاكر بشكلٍ مُختلف .. ظاهرياً أنا نفسي أنا ، وصعوبة المواصلة أمام الكتب طِوال اليوم هي نفسها، وتراكم الأشياء المؤجلة هو نفسه، وجوعي الدائم نفسه وحبوب وجهي التي أعلم أنّها ماهي إلّا التأثير الفيزيائي للخوف المُلازم لي مؤخراً هي مكانها (أقرأ مقالات عن أثر الخوف على الجسد في استراحتي) ، الأشياء الظاهرية هي نفسُها ولا أُطالب بتغيرها..