ألهذا اللّغو حلّ أم سيبقى أبديّا؟

"وطريقي ، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل انا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟
أأنا سائرٌ في الدرب أم الدرب يسير؟
أم كلانا واقفٌ والدهر يجري؟
لستُ أدري!" **

لأنّني لا أدري..
هممتُ بسؤال عمّي سلطان سؤالاً أقرب ما يكون للغباء ، سألتُه لأني أريد أن أسأل ، لم أكن منتظرةً جواباً (مُفحماً) كما فعل.
"ليش الإنسان يبغا يجيب نسبة عالية في الثانوية؟"
يُقطّر غباءً أليس كذلك؟
كان من الممكن لإنسان طبيعي أن (يسفهني) أو يقول ببساطة "ذاكري" ، لكنّه لم يفعل وأظنّ أن ردة فعله مواساة ربّانية لِما أنا فيه..
 أجابني حرفياً : "مع تراكم السنين النسبة العالية وضعها المجتمع كأداة مفاضلة لدخول المؤسسات التعليمية.. ولكن.." ...

ما قاله بعد "لكن" جعلني أذاكر بشكلٍ مُختلف .. ظاهرياً أنا نفسي أنا ، وصعوبة المواصلة أمام الكتب طِوال اليوم هي نفسها، وتراكم الأشياء المؤجلة هو نفسه، وجوعي الدائم نفسه وحبوب وجهي التي أعلم أنّها ماهي إلّا التأثير الفيزيائي للخوف المُلازم لي مؤخراً هي مكانها (أقرأ مقالات عن أثر الخوف على الجسد في استراحتي) ، الأشياء الظاهرية هي نفسُها ولا أُطالب بتغيرها.. لكن شيئاً ما في الداخل بدا مُختلفاً..
قال عمي أنه من الممكن لإنسان له ظرف ما أن يحصل على نسبة منخفضة ويدخل مؤسسة تعليمية متوسطة...ويشقّ طريقه بنفسه . (لحُسن الحظ أنه كان يحادثني بالفصحى لذلك كل ما عليّ فعله نسخ ولصق مُحادثته)
قبل أن أُكمل دُرر العم سلطان ، وقبل أن يدور في مُخيلتك فلم عن الظروف السيئة المُحيطة بي والتي تمنعني من الحصول على نسبة عالية.. الأمر كلّه أنها أول تجربةٍ -حقيقية واضحة- لي مع الاجتهاد في الدراسة :) 

لم أجربّ من قبل أن أنبّش عن مسائل وقوانين وتعليلات الفيزياء في كل مرجع كأنها عقدٌ متناثر ، ولم يحدث أن أقلق من امتحان اللغة العربية وأنا التي كنتُ أذاكر المقرر -أول وآخر مرة- ليلة الامتحان وأحصل على امتياز ، ويصل قلقي إلى البحث عن "خصوصي" ، وحتى لم أعاني ضيق التنفس منذ أول مسألة رياضيات أفشل في حلّها ، كانت الرياضيات تعني أ بدون قطرة مشقّة :( لم ألجأ إلى البحث عن شروحات الأحياء في اليوتيوب حتى بغير لغتي الأم ، ولم تمُر في ذهني من قبل فكرة أن أخصّص يوماً لمذاكرة اللغة الانجليزية ، لأنه كما تعلمون نحن لا نذاكر الانجلش ، ليس لأنها المادة الأسهل ولا هي لغتنا الأمّ ولا لأي شيء ، فقط نحن لا نذاكر. (ملاحظة: خطرت في بالي فكرة تخصيص يوم لكني عُدتُ إلى رشدي ولم أفعل) ، ماذا نسيت، اوه لم أذكر الكيمياء لأني يائسة تمامًا من أول درجتين نقصتهما -وكنتُ أعرف الاجابة حقّ المعرفة:)-

كل هذا لم أجربه قبل هذه السنة ، ببساطة لأنها الثانوية ، التي ضخّمتها عوامل كثيرة أمامنا، رغم أننا نعلم في قرارة أنفسنا بأنّها لم تعدُ كونها امتحان دنيا ، لكن ماذا لو جاء مُربع "معلومات تهمك" -وهي لا تُهمّني- في الامتحان!! يجب أن نحفظ الكتاب من مقدمته إلى مراجعه وحتى "عزيزي الطالب ، كتابك الذي بين يديك...."
ما ذكرته لم يكُن حجةً مقدّمة أتحجّج بها عن درجاتي غير العالية (أمي وأبي إذا كنتما تقرءا هدّئا من روعكما رجاءً. أنا أوضّح الصورة فحسب :( . )

نعود للموضوع ، قال عمي أنّه يمكن لأي طالب أن يكتشف في نفسه طريقته الخاصة التي يحب أن يعيش حياته لها، ويستمتع بفعلها..
 "عمك سلطان مثلاً: درس الهندسة ، لكن في السنة ٣ اكتشف أنه يحب صناعة الأفلام 🕵
لذلك معظم وقته الآن يقضيه في شغفه..."

استمرَّ حتى توصّل لإقناعي بأن "أكدّ" الآن حتى أدخل الجامعة ، أي كلية فيها ، المهم أن أدخلها ثم أبحث عن شعفي هُناك. لماذا هي تحديداً؟ يُجيب : "أعني أن البيئة مناسبة للبحث عن شغفك...وخصبه بالتجارب والعقول المميزة"

علّقتُ بأنها أكثر خطّة منطقية في العالم ، خصوصاً بما أنّ تخصصاً بعينه لا يُثير اهتمامي ولا أحلم بوظيفة معينة ، المهم أن أعيش سعيدة ومُنجزة. أين وكيف؟ لا أعلم ولا أحب أن أفكّر مبكراً.. (آمل ألّا "أطيح" من عينيّ صديقتي التي كثيراً ما تردد على مسامعي: يجب أن يكون لديكِ هدف!!)

ختم العم اللطيف كلامه بِـ"شخصياً أتمنى رؤيتكُ كاتبة ، تعملين على الشيء الذي تحبينه وتجني منه المال ايضاً . هذه السعادة!"
ياه كان هذا مُريحاً! قد يأتي الالهام على شكل محادثة مع عم.
 الآن وأنا أذاكر لا أفكر بأنه يجب الحصول على نسبة مرتفعة من أجل التكريم ومن أجل الهدايا التي وُعدتُ بها ولا أي شيء من هذا القبيل..
  يجب الحصول على نسبة نعم -أعني بذلُ الأسباب على الأقل- ، لكن الغاية مُختلفة تماماً. هذه النسبة قد تكون وسيلة للوصول إلى مكانٍ يحتضن الشغف. لكنها ليست الوسيلة الوحيدة.
أوپس أشعر أن التعبير بدأ يتحول إلى هلوسة . ما أُحاول ايصاله أن الهدف الآن أكبر بكثير من مجرد الوقوف على منصّة التكريم .
(أذكر هذا الهدف التافه لأنّي لوهلة حفّزتُ نفسي به)..

بالمناسبة، أنا حقيقةً أحمد اللهُ أنّ أبي لم يُملي علي جملة الآباء الشهيرة "أريدك ترفعي راسي" أو "تفوّقي على ابنة عمّك فلانة" أو أي جملة تخصّ رفع الرأس أو خفضه أو بنات العم.. ربّما لأنّه يريد لي درجاتٍ مرتفعة لأثبت قدرتي لنفسي لا للناس؟
وممتنّة لأمي التي تتحمّل تقلّبات مزاجي ورؤيتي للأمور ، آتيها تارةً وهي عائدة من عملها منهكة :"ماما خلاص قراري الأخير أريد أروح بعثة أدرس طب"
تُجيب : "الله يقدّر الخير حيثُ كان" ، ولا تزيد شيئاً على هذا.
وبعد أيام آتي "أحس الطب حلم تقليدي خلاص أريد أي شيء يخصّ الأحياء بس ما طب" .
وتارةً "عادي أصير ربّة منزل؟" ..

قبل أن تنتهي استراحتي (التي انتهت منذ نصف ساعة ومدّدتها قليلاً) يجب أن أقول شيئاً ،
أُحييك يا صديقي الذي تنام وتصحو وتعملُ من أجل هدف طويل المدى . كل أهدافي قصيرة المدى وهذا سيء. هلّك أن تدعو لي ؟ لم تعُد العشوائية مجدية.
وأختم بملاحظة: كل ما أكتبه أعلم يقيناً أنّه قد يتبدّل ، آرائي تتبدل بانتظام. أنا في مرحلة قابلة للانقياد مؤقتاً للآراء ثم تجديدها.


لأنّني لستُ أدري!

** الاقتباس والعنوان لايليا أبو ماضي.

تعليقات

  1. إلى غدير:
    أردّ عليكِ في استراحتي أيضًا، استراحة مابعد الغداء -من مذاكرة هذا وطني الغثيث- التي تمددت من أجل أن أردّ على تدوينتك.
    لا أحب الرد عادةً لأنني لا أجيده، لكن ذكركِ لمأساة اللغة الإنجليزية والأحياء (والـ أ اللي كنت أجيبها في الرياضيات بالساهل) جعلتني أرى نفسي بين السطور نوعًا ما، واختلفتُ معك في قلقي من اللغة العربية.. لأنني لو قلقت سأستنقص من ثقتي بحبي الشديد لها.. فالمحبّ الحقيقي لا يخشى من حبيبه، ولا يعير لنجاح علاقته به أيّ أهمية.. لأنه يدرك أن الحب كافٍ -وزيادة- لكي يوصله إلى برّ الأمان. و أخالك تشبهينني في حبي، فلا تقلقي .. :)❤️
    *و أختلف معكِ في مراجع الفيزياء أيضًا :o (هو حنا ناقصين؟؟؟؟)
    .
    .
    إلى غدير مرةً أخرى،
    قبل ساعات من قراءة هذه التدوينة كنت أفكر في "ياه، ماذا لو كان مصدر رزقي في المستقبل هو الخطّ العربي؟".. لأن الشغف هو كل شيء.. هو ما يجعل طعم الحياة في أفواهنا كالسكّر في حين أن بعضنا الآخر قد يتقيّؤه. ولكنّ ارتباطنا اللازم بعوائلنا و ضرورة تحقيقنا لأحلامهم التي تكونت في عقولهم منذ خطواتنا الأولى يربكني.. ويحزنني. لأنني على سبيل المثال لا أجد أي سبب منطقي يجعلني أتحمل غثاء هذا وطني غير والديّ الذان يتحرقان شوقًا لرؤية بطاقتي الجامعية المعنونة ب"كلية الطب والعلوم الصحية".
    فباختصار، نحن لانعيش لذواتنا فحسب.. إنما خلقنا الله لنذوق جهاد الحياة في تقلبنا بين الشغف والأولوية.. بين العشوائية والاستقرار.. فتارةً نرانا نرغب بالحرية في التفكير والممارسات. وتارةً نلتزم بالقوانين.
    نصرخ بكسر الروتين في يومٍ ما.. وفي اليوم الآخر نصلّي بقلوبنا شكرًا لله لأن جعل في حياتنا نمطًا معينًا نمشي عليه دون أن نتخبط.
    هذا يعني أن الثانوية أكبر من مجرد نسبة تسعينية، فجهاد الأفكار الذي نخوضه كل يوم مرة "ويتضاعف في إجازة المذاكرة إلى مرتين".. هو الحصيلة والغنيمة الكبرى التي سنجنيها من تخرجنا.. لا الفيزياء ولاغيره من سيعلمنا كيف نخوض حياتنا بكل قوة في المستقبل.
    لا أدري إن كانت فكرتي قد وصلت بسلامٍ إلى عقلك الجميل لأنني بنفسي لم أفهم هلوستي D: لكن دعينا نبحث عن حقيقة ذواتنا في هذه الأيام العصيبة المباركة.. أكثر من بحثنا عن "الطريقة الصحيحة للمذاكرة"، لول.

    عذرًا على الإطالة
    كوني بخير
    ورزقكِ الله مستقبلًا بديعًا باهرًا.. يشبهك ❤️
    براقة

    ردحذف
  2. نفس الشّعور والله  :(
    مُتابعة لكِ *

    ردحذف
  3. الحمدلله أني قرأتها في الوقت الذي أحتاج بأن أقرأ حروف من هذا النوع، ممتنة لكِ ولعمك كل الامتنان على التشجيع غير المباشر المسطّر في كلماتك..
    نسأل الله أن يمدنا بالصبر هذه الفترة ويوفقنا ! ❤️

    ردحذف
  4. إلى غدير،
    قرأت تدوينتك وقت تدوينها، وقرأت تعليقك في مدونتي وقت تعليقك، لكن لم أجد ردًا يحترمني ويخرج بصورة مهذبة ويكف عن تعذيبي إلى الآن!
    المهم، وأنا بعيدة عن العالم -في الصحراء كما أقول-، أردد كل حين دعاء خفيًا لك ولعائش ولآل الثانوية جميعًا، تحتلون تفكيري ودعائي فوق ما تستطعن التصور، أطلب من الله كثيرًا أن يمنحكن السكينة والأمان والتوفيق (والقوة النفسية) التي هي أهم درس ثانوي.

    إلى غدير مرة أخرى وإستبرق،
    التعب في الثانوية ملازم لها لا مفر منه، الكد للنسبة العالية مطلوب، النسبة العالية ليست كل شيء. شغف الحياة وشغف ما تحببن هو كل شيء في الواقع. لعلي أراكن بنسب عالية تدخلن ما تردن؛ وإن لم يكن فشغف الحياة فيكن هو أنتن. كنتن ذوات نسب مرتفعة أو منخفضة، أحبكن.

    ردحذف
  5. غدير ؟
    "أحس الطب حلم تقليدي خلاص أريد أي شيء يخصّ الأحياء بس ما طب" .
    قبل ٣ أعوام كنتُ أردد نفس العبارة مثلكِ تماماً .
    و بينما كان الجميع يناديني بالطبيبة ، و كان الجميع على يقينٍ أنني ذات النسبة الأعلى من أقران العائلة .
    جاءت المفاجأة أنني ببساطة خذلتُ حلم أبي أن يناديني بالطبيبة ، أن يراني بمعطفٍ أبيض وسماعة طبيب حول رقبتي !
    أنني ببساطة و بعد الحصول على النسبةِ الأعلى بعد داومةٍ من التيهِ قُلت : لا أريد الطبّ .
    و ها أنا الآن أشقُّ الطريق بكلّ شغف و حبّ لأكون ذات معطفٍ أبيض لكنِّ لستُ طبيبة بل حلمٍ أعمق مني و منكٍ بكثير !
    دوامةُ التيه ، الوجع ، تقلبات المزاج ، المخاض الذي يوّلدُ في كلّ مرةٍ أحلام جديدة .. ما هو الا الطريق حتى لا ننثني عن كون أحلامنا ستكون على حق .
    نحن من ضخمنا أمر النسبة لكنَّنا أعظم بكثير ، و كلنا ندرك ذلك بعد أن يوجعنا مخاض الأحلام في الثانوية مرارا و تكرارا .
    كلنا ندرك ذلك بعد الثانوية فلا تقلقِ

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وداع ونجوم وقطّ أسود - مذكرات

عشيّـة

ضجيج .